بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شىء وهو رب العرش العظيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اما بعد
لا تستطيع ان تقول : أنا أحب فلان لله إلا لإذا كنت محبًا لله نفسه ، معمور القلب بجلاله وجماله ، مشدودًا إلى عظمته بالطاعة الخالصة والشكر العميق
وإمام البشر كلهم في حب الله هو " محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم " الذي واصل ليله ونهاره ، ويقظته ومنامه بالجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته وإعلان عبوديته لله الواحد وعرف جماهير الناس إلى ربها لتشاركه عليه الصلاة والسلام في هذه العبودية المشرفة
وما إنتقل إلى الرفيق الاعلى حتى هُزم الشرك وبنى أجيالا تتوارث توحيد الله ومحبته وتسمع وتتبع ما أمرها الله به ، ويقول تعالى : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي له رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .... الانعام 163 ،162
ونحن المسلمين نحب لله ، ونبغض لله ، ونعلم أن هذا الحب يتطلب علاقة طهور وجهاد دائم وإيثارًا وتفانيًا ، لكننا نشعر بقصورنا وأحيانًا بعجزنا فنتسأل عن قيمة هذا الحب الواهن الكسول ونقول : هل يقبلنا الله به ؟
والاجابة هي أنه عندما يشعر المرء بوجود الله في كل شيء ويعيش في جو من اسماؤه الحسنى ويتابع نعمه المنتشرة في كل أفق ويرى اثار عظمته على امتداد الارض والسماء فهو محبًا لله ، وعندما يرمق البشر على ضوء هذه العلاقة ويحس بقرابة نفسية وفكرية تجذبه وتشده إلى المؤمنين ، وتبغضه وتنفره من الظالمين والماجنين والمنافقين ، فهو يحب في الله ويكره لله ، هكذا يكون الحب
يقول الله تعالى : " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " .... آل عمران 31
وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من إدعى محبة الله وليس هو على طريقة ونهج محمد فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع والدين الحق عن النبي في جميع أقواله وأفعاله ، وكما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ولهذا قال تعالى « إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله » أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء الحكماء ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تُحب وقال الحسن البصري وغيره من السلف زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال « قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله » ،وفي تفسير الجلالين : ونزل لما قالوا ما نعبد الأصنام إلا حبا لله ليقربونا إليه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وهل الدين إلا الحب في الله والبُغض في الله " .
و قال تعالى « ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم » أي باتباعكم الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل لكم هذا من بركة سفارته
ولنعلم جزاء الحب في الله والبُغض في الله ، ففي الحديث القدسي الذي بلغه الرسول الكريم عن رب العزة ، قال : " من عادى لي وليًا فقد أذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما أفترضت عليه ومايزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني أعطيته ،ولإن استعاذ بي لأعيذنه " .....رواه البخاري
والمحب لله وفي الله يحيا لله ويموت فيه ، وعن اهتمام بأمر الله يصيح بسمعه وينظر بعينه ويسعى بقدمه ويكدح بيده ، إن حواسه كلها تتحرك لله ولدينه ولمرضاته . ولا يفهم عاقل أن الله أصبح يدًا أو رجلاً !! هذا المتفاني في الله المستغرق في طاعته ، الكادح فوق التراب رجلاه في الارض ورأسه في السماء ، هو الانسان الذي احبه الله واتخذه من أولياؤه وأذن بالحرب على من آذاه أو ظلمه
وفي الحديث أيضًا ، يقص علينا رسول الله من الآثر مدى جزاء الخير عن الحب لله وفي الله ، فعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا زار أخًا له في قرية أخرى ، فأرصد الله على مدرجته - في طريقه - ملكًا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ ، قال : أريد أخًا لي في هذه القرية ! ، قال : هل لك عليه من نعمة تربها - تقوم بها وتنميها - ؟ ، قال : لا ، غير أني أحببته في الله تعالى ، قال له الملك : فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " .... رواه مسلم
أتريدون حلاوة الايمان ، أسمعوا لحديثه صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار " ... رواه الترمذي
نعم ، إن حلاوة الايمان في حب الله وإخلاص العمل لوجهه والحب فيه وله والبُغض في الله ، حيث أن محبة الله عاطفة شريفة ، ومن الخير أن تعرف أنها مكلفة ولها تبعات . إن الكاذب يكره الصادقين والعاهر يكره الاطهار والظالم يكره المقسطين وعلى النقيض نجد أن الصريح والخالص في العبادة والحب لله يستوحش بالمنافقين وأهل الزور والسخرية من الايمان
وليس هناك أخس ولا أوضع من رجل يتملق أخر لدنيا يصيبها أو يبتسم له لمصلحة يرجوها ، فهذه الصداقات رخيصة ولا ثمن لها ولا وزن ، أما الذين يحبون في الله ويتعصبون للدين من حيث كونهم رحماء فيما بينهم وعلى المسلمين والمؤمنون بينما أشداء على اعداء الله والمنافقين ولا يخشون لومة لائم ، فهم المؤمنون حقًا
وفي حديث عن أنس بن مالك أن رجلا سأل النبي عن الساعة فقال : متى الساعة ؟ ، فقال الرسول له : وما أعددت لها ؟ ، قال : لا شيء ، إلا أني احب الله ورسوله ، فقال له النبي : أنت مع من أحببت
هذا الرجل لم يريد مصلحة ولا تملق لأحد من عباد الله ، بل كل مالديه هو حبه لله ولرسوله ، وهل يعد هذا كافيًا للاستعداد للساعة .... نعم كما يخبرنا الحديث .. فهذا كاف ... لأنك إن أحببت الله عرفت الاخلاص في عملك حقًا وكان عملك لمحبة الله وارضاؤه ومن ثم تحب لله وتبغض في الله ... ليصبح عز وجل في سائر جوارحنا ونكون من أولياؤه
وفي كتاب " لا تحزن " لعائض القرني : " كن من أولياء الله وأحبائه لتسعد ، إن من أسعد السعداء ذاك الذي جعل هدفه الاسمى وغايته المنشودة حب الله عز وجل ، وما ألطف قوله - عز من قائل - " يحبهم ويحبونه "
وفي الاثر أن رجلاً من الصحابة أحب قوله " قل هو الله أحد " ، فكان يرددها في كل ركعة ، ويتوله بذكرها ويعيدها على لسانه ويشجي بها فؤاده ويحرك بها وجدانه ، قال له صلى الله عليه وسلم : " حبك إياها أدخلك الجنـة "
والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يعمل على تنمية الحب في نفوس المسلمين لله وفي الله بين المسلمين والمسلمات ، ويصل بين أطرافها لترسخ وتبقى المحبة في نفوسنا لبعضنا البعض فقط لوجه الله وفي مرضاته ، فعن أنس أن رجلا كان جالسًا عنده ، فمر رجل أخر فقال الرجل : يارسول الله ، إني أحب هذا ، فقال له النبي : أأعلمته ؟ ، قال : لا ، قال : أعلمه . فلحقه فقال : إني أحبك في الله ، فرد عليه قائلاً : أحبك الذي أحببتني له " ... رواه أبو داوود
أخواني وأخواتي في الله نسأل الله أن نحب له وفيه ونبغض في الله ، فعندما يكون حب الله هو الحب فيه أساس السلوك فلن تنهزم عقيدة أو تخزل فضيلة أو تسقط للحق راية
اللهم إني أشهدك أني أحبك ، وأحب رسولك الذي أرسلت ، ورضيت بدينك الذي إرتضيت لي به ، وأحب من أحبك ، فأجعلني ممن تحب وترضى عنه ... أنا وسائر المسلمين والمسلمات والله على كل شيء قدير وهو الغني الحميد