شبكات
التجسس الكبيرة قد بدأت منذ اليوم الأول لبدء العلاقات بين البلدين؛ حيث
أعلنت السلطات المصرية عام 1985م عن القبض على شبكة تجسس صهيونية مكونة من
9 أفرادٍ، من الموساد؛ حيث جاء التشكيل إلى مصر على دفعتين: ضمن أحد
الأفواج السياحية أحدهما مكون من أربعة أفراد توجهوا إلى الإسكندرية،
والثانى إلى منطقة القناة، وقد تمَّ ضبط الدفعة الثانية في مدينة بور فؤاد
أثناء قيامها بأعمال التصوير ورسم الخرائط لأماكن ممنوعة، وضُبط بحوزتهم
عدة أفلام قاموا بتصويرها، وبعد إجراء التحقيقات والتحريات تبيَّن أنهم
ضُباط بجهاز المخابرات الصهيونية "الموساد".
في أغسطس 1986م تمَّ القبض على شبكة تجسس أخرى، ضمَّت عددًا من العاملين
بالمركز الأكاديمي الصهيوني في القاهرة، إلى جانب سيدة أمريكية تعمل في
هيئة المعونة الأمريكية؛ حيث ضبطت أجهزة الأمن المصرية بحوزتهم كميةً من
الأفلام والصور ومحطة إرسال واستقبال ومعمل تحميض، وتبيَّن أن هذه الصور
تمَّ التقاطها لوحداتٍ من الجيش المصري أثناء الليل باستخدام أشعة الليزر.
وفي أواخر عام 1986م تم ضبط أربعة جواسيس صهاينة في شرم الشيخ، وفي عام
1987م تم ضبط شبكة تجسس من السائحين الصهاينة أثناء زيارتهم لشرم الشيخ،
وفي عام 1990م ألقت أجهزة الأمن القبض على إبراهيم مصباح عوارة؛ لاشتراكه
مع أحد ضباط المخابرات الصهاينة في تحريض الفتاة المصرية "سحر" على القيام
بالتخابر ضد مصر، وكانت "سحر" قد رفضت التجسس على وطنها، وأبلغت أجهزة
الأمن المصرية بمحاولة تجنيدها، وتم ضبط العميل وصدر ضده حكمٌ بالسجن 15
سنةً.
وفي عام 1992م سقطت شبكة "آل مصراتي"، التي ضمَّت 4 جواسيس، وهم: صبحي
مصراتي وأولاده ماجد وفائقة وجاسوس آخر هو "ديفيد أوفيتس"، وقد اعترفت
"فائقة مصراتي" الجاسوسة الصهيونية في التحقيقات بأن جهاز المخابرات
الصهيونية جنَّدها للعمل لديه منذ سنتين عن طريق المتهم "ديفيد أوفيتس"
الذي تولَّى تدريبها على جمع المعلومات عن الأهداف العسكرية والاستراتيجية
والشخصيات العامة في مصر.
واعترفت "فائقة" بأنها استغلَّت جمالَها لإقامة علاقاتٍ مع الشبان
المصريين الذين يشغلون مراكز في أجهزةٍ مهمةٍ وحساسة في البلاد، وقد
تورَّط في هذه العلاقة المشبوهة عددٌ من أبناءِ المسئولين، وتمكَّنت
"فائقة" بهذا الأسلوب من جمع معلوماتٍ مهمةٍ وبالغة السرية، وقامت
بإرسالها إلى "الموساد" عن طريق ضابط مخابرات صهيوني حضر إلى مصر على
فترات متفاوتة لتلقي المعلومات والتقارير من أعضاء شبكة التجسس، واعترفت
"فائقة" باشتراك شقيقها ماجد ووالدها "مصراتي" في شبكة التجسس، ورغم صدور
حكمٍ ضد الجواسيس الأربعة، فإن مصر أفرجت عنهم، وبادلتهم بعددٍ من
المصريين المقبوض عليهم في تهمٍ مختلفة داخل الكيان الصهيوني.
وأكدت تقارير أخرى أنه منذ اتفاقية السلام تمَّ ضبط العديد من شبكات تجسس
صهيونية باستثناء حالة واحدة لحساب المخابرات الأمريكية، وأخرى إيرانية،
وحسب التقارير الأمنية فإن 86 % من جرائم التهريب وتزوير العملات في مصر
ارتكبها صهاينة، في حين بلغت أعداد قضايا المخدرات المتهم فيها صهاينة
خلال 10 سنوات نحو 4 آلاف و457 قضية، ومما يدلل على ذلك اعتراف مصدرٌ
صهيونيٌّ بأن مصر يدخلها نحو 500 طن مخدرات سنويًّا عن طريق الصهاينة.
كما استغل الكيان الصهيوني السياحة إلى مصر لتنفيذ مخططٍ لزرع هذه الشبكات
التجسسية، وساعد على ذلك أن الصهاينة لهم الحق- بموجب اتفاقية كامب ديفيد-
في دخول سيناء بدون جوازات سفر أو تأشيرات لمدة أسبوعين؛ مما جعل عملية
التسلل إلى داخل البلاد أمرًا سهلاً.
أي تجسس
وقد وصل التجسس إلى مفاعلاتنا النووية بالرغم من أنه لم يبقَ منها إلا
اسمها إلا أنها مناطق حساسة في أي بلد، وتُعتبر رأس أولويات الأمن القومي،
ومع التحية العظيمة للأمن القومي المصري الذي يُظهر براعته من آنٍ لآخر في
الكشف عن هذه الشبكات وضبطها إلا أنه يثور تساؤلٌ قبل ذلك، وهو: لماذا
نسمح لهؤلاء الجواسيس أن يصلوا لهذه المرحلة، ولهذه الأماكن في ظل اعتماد
أجهزتنا على ظاهرة الثانية الأخيرة بعدما يضيع كل شيء، وهو ما حدث في
الواقعة الأخيرة والتي هرَّب من خلالها المهندسُ النووي معلوماتٍ خطيرةً
للكيان الصهيوني؟.
تساؤل آخر يداعب الأذهان الحائرة: ما الذي يدفع المصري إلى التخابر لصالح
ألد أعداء بلده؟ هل وصل الحال بمصر إلى حافةِ فقدان الانتماء، بل والتحول
من مواطن إلى جاسوس عدو لوطنه؟!.
يؤكد د. عصمت زين الدين- مؤسس قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية-
والذي تخرَّج فيه المهندس سيد محمد صابر المتهم بالجاسوسية- أن الولاياتِ
المتحدة الأمريكية أحكمت قبضتها بنسبة 100% على أي عملٍ نووي في مصر،
بالرغم من أنه ليس لدينا شيء نُخفيه- على حدِّ قوله- وهو ما يُفسِّر سماح
الإدارة الأمريكية لمصر بعمل برنامجٍ نووي سلمي.
وقال زين الدين: "ماعندناش أي حاجة نخبيها لأن مفيش حاجة أصلاً"!!، موضحًا
أن كلَّ ما لدينا مفاعلان نوويان؛ الأول 2 ميجا وات والثاني أرجنتيني 20
ميجا وات، وهما بدائيان تمامًا، مؤكدًا أنه لا يعتقد أن مصر لديها برنامج
نووي تستطيع أن تُخفي منه أي شيءٍ على الصهاينة أو الأمريكان.
وأوضح د. عصمت زين الدين أن قسم الهندسة النووية يُعطي دراساتٍ علميةً
هندسيةً على مستوى البكالوريوس لا يوجد فيه كلمة واحدة غير معروفة،
فالتكنولوجيا الانشطارية وأي سرٍّ الآن في العالم خاص بالانشطار النووي
معروف.
للعلم فقط
د. عبد الرازق زكي حسين- هيئة الطاقة الذرية- أبدى دهشته من التجسس على
مصر في المجال النووي، رغم أنها لا تسير على خُطى إيران أو كوريا
الشمالية، مؤكدًا أنه في الفترة الأخيرة بالذات لا يوجد لدينا ما نُخفيه.
وطرح عبد الرازق عدة تساؤلاتٍ منها: "الموضوع مُفزع؛ مَن الذي وراءه
ولماذا؟"، مشيرًا إلى أن قضايا التجسس هي عادةَ الدول في كلِّ المواقف
التي تسعى فيها لمعرفةِ الموجود بداخل الدولة التي تتجسس فيها، وتهدف
للإجابة عن هذا السؤال: "هل كل الذي تعلنه هذه الدولة بالفعل هو الموجود
أم أن هناك ما تُخفيه من معلوماتٍ؟"، كاشفًا النقاب عن أنَّ عمليةَ
التخابر الأخيرة تهدف للتأكد من إمكانية فصل مادة استراتيجية من وقود
المفاعل.
وأوضح عضو هيئة الطاقة الذرية أن المسئولين المصريين لم يأخذوا البرنامج
النووي السلمي على محمل الجد، وحتى الآن هو مأخوذٌ بنوعٍ من التمهل؛ حيث
أعلن وزير الكهرباء أن المشروع ستُعدُّ له دراساتٌ فقط لمدة سنتين.
وألمح إلى أن حالةَ عدم الانتماء التي انتابت البعض في الآونة الأخيرة
يرجع للأوضاع الصعبة التي يعيشها المصريون، خاصةً أن المواطن يعيش بشكلٍ
غير لائق، واستطرد قائلاً: إن هزيمة 67 أورثت فينا الكذب حتى الآن، وضرب
مثالاً بأن هناك سوءَ توزيع في ثروة مصر، وهو ما يؤدي إلى إحباط وتذمُّر،
فهناك شبابٌ يتخرج ويجد عملاً ومشاريعًا تنتظره لأنه قريبٌ من دائرة
السلطة أو النظام الحاكم، وعلى النقيض يتخرج شباب آخر ولا يجد سوى الشارع
حُضنًا يرتمي به.
ويشير الخبير الاستراتيجي اللواء د. عادل سليمان إلى أن الكيان الصهيوني
يشغله هاجس أمني شديد، ويشهد حالةً شديدةً جدًّا من القلق، وبالتالي
يندفعون وراء أي عمليات تجسس ووراء أي شيء يحتمل أن يُمثل خطرًا على
كيانهم، ولو بنسبة 1%، مضيفًا أنهم إذا كانوا بهذه الدرجة من القلق فلا بد
أن تكون أجهزتنا المسئولة على نفس الدرجة وأكثر من اليقظة والمراقبة
والاهتمام.
مشيرًا إلى أن عمليات التجسس أمراض تصيب كل المجتمعات، ويقع في فخها مَن
يتطلعون إلى حياةٍ كريمةٍ، خاصةً إذا كانوا يعانون من مشكلاتٍ مع الحكومة
أو النظام الحاكم، والذي ينطبع في ذهن البعض أنهم يمثلون الوطن فينقمون
عليه وعلى الوطن، ويتمنون العمل في أقسى المجتمعات عنفًا كالعراق مثلاً،
وهو ما حدث مع بعض المصريين- على حدِّ قوله- أثناء الحرب الأمريكية على
العراق.
ويؤكد د. رفعت سيد أحمد- مدير مركز يافا للدراسات- أنه بالرغم من مرور ما
يقرب من 30 عامًا على توقيع ما يُسمَّى بمعاهدة "السلام" بين مصر والكيان،
إلا أن الصهاينة لم يتوقفوا عن نشاطها في تجنيد الأفراد والتخابر على
المصالح القومية المصرية، مؤكدًا أنَّ كل ما فعلته اتفاقية "السلام" هذه
بين مصر والدولة الصهيونية، هو نقل الحرب من ساخنةٍ إلى باردة، فاتفاقية
كامب ديفيد وما جرته في ذيولها من تطبيعٍ بين مصر والدولة الصهيونية لم
يمنع الصهاينة من استهداف مصر، وجعلها على رأس سُلم أولويات المخابرات
الصهيونية.
وقد وصل عدد جواسيس الموساد، الذين تمَّ تجنيدهم والدفع بهم نحو مصر إلى
حولي 67 جاسوسًا، موضحًا أن التجسس سيستمر؛ لأن اليهود لا يثقون في أحد،
حتى وإن كان هو أصدق أصدقائهم، أي الولايات المتحدة، فواشنطن تكشف كل
فترةٍ عن شبكةٍ صهيونيةٍ للتجسس عليها، وهو ما يُعدُّ درسًا لنا كعرب،
يدعونا إلى عدم التعامل مع الكيان الصهيوني بعقليتنا العربية المتسامحة،
فهي ليست دولة طبيعية، والصهاينة أنفسهم يعتبرون دولتهم "دولة غير
طبيعية"، مؤكدًا أن هذه القضايا وغيرها مثَّلت سياسةً ثابتةً للكيان تجاه
مصر طيلة فترة التطبيع والعلاقات الدافئة "30 عامًا"، والسبب الطبيعة
العدوانية للصهاينة التي تجعلهم فاقدي الثقة في أي دولة، وتجعلهم في حالةِ
تربصٍ دائمٍ بالآخرين، وهو ما دفعهم لسلسلةٍ من عمليات التجسس مع مصر
والأردن و12 دولةً عربيةً أقاموا معها سرًّا علاقاتٍ خاصة مثل "قطر- عمان-
المغرب" وغيرها